فادي القاضي

وليد أبو الخير وأنا، لم نلتق أبداً. ونحن من جيلين، يفصل بيننا أعوام، وتفرقنا حدود وإجراءات وسياسات، ومنعٌ من السفر سلطه الحاكم على وليد معظم الوقت. إلا أنني أعرف عن وليد ما يلزمني أن أعرفه، وأدرك أن ما أعرفه تعرفه تماماً سلطات الحكم في المملكة العربية السعودية: في بلد يبحث فيه بعض الناس، على قلتهم، عن صيغة آدمية للتعاقد فيما بينهم؛ عن صيغة تعترف بالبشر مصدراً للسلطات؛ عن عقد اجتماعي وسياسي بين بشر حاكمين وبشر محكومين؛ عن انتظام ونظام يسترشد بما يريده الناس في اطار من العدل والعدالة والتكافؤ- في بلد كهذا، يسير الى المقدمة، وليس بالضرورة الى مصاف ما يُعرفُ عبثاً بالنخبة، كونها غير موجودة، مجموعة من الأفراد ترى أن السكوت يقع في خانة “المحرمات” وأن النكوص يعني تواطئاً ضد المجرى الطبيعي لحياة البشر الذي يجب أن يمضي، كالنهر، إلى الأمام.

ونُسمي هؤلاء حكماً، بالمدافعين عن الحق الإنساني. واختار وليد أبو الخير أن يمضي باتجاه نتصف ثلاثينيات عمره، مسترشداً بفكرة “الحق” وسط كوكبة من المدافعين الأقلاء الذين نذروا أنفسهم للوقوف ضد حالة السكون والسكوت والتواطؤ. واختار وليد من عمله ومهنته في المحاماة منبراً للدفاع عن الآخرين، وكرس من الوقت والجهد والمشقة ومن تحمل الأذى ما يبدو أنه يفوق الاحتمال. إلا أنه احتمل وتحمل، ويعرفُ من حاكموه وحبسوه أنه، وفي دفاعه عن حقوق أسرته الكبرى في السعودية، أنه اختار الدفاع عن حق المجتمع من خلال مهنته ومن خلال أفكاره ومن خلال رأيه، ولم يرفع سلاحاً، ولم يخطط للهدم، ولم يتبنى أي عمل من شأنه الحاق الضرر بأي فئة في المجتمع. بل فعل عكس كل ذلك.

وليس ضرورياً أبداً في هذا المقام، أن يتم تناول فكرة استقلال القضاء ونزاهته. على الأقل، ليس في السعودية. القضاء، في صورته المثالية، جسمٌ يقيم العدل على أسس راسخة من تحكيم الضمير والعقل. وأعتقد أن في هذا يكمنُ جوهر ما تكالب على وليد أبو الخير وأوقعه سجناُ: انه في الحقيقة، كما فعل أستاذنا عبد الله الحامد، اختار اعلاء صوت الضمير والعقل في مواجهة غيابهما –وتغييبهما- في ما يبدو أشبه بغابة من الظلم والظلام وانعدام المعايير وفقدان البوصلة وتغول سياسات الحاكم على حريات أساسية للبشر وافتراسها.

في بلد تكتظ سجونه بآلاف أو ربما بعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، من دون محاكمة، وممن اعتقلوا تعسفاً، بمعنى من جون سند قانوني، أو من دون سبب، وممن لا يُعرف أماكن سجنهم، والذين إن حوكموا، فعلى لا أساس من الإجراءات أو المعايير التي يعرفها أي قضاء راسخ على مبادئ العدل- في بلد كهذا، من الطبيعي ومن الضروري أن تجد وليد أبو الخير، رافعاً الصوت في وجه التعسف واللا عدل. من الضروري أن يعرف الناس، أنه وفي كثافة هذا الظلام المحيط بهم، هناك من يحمل مصباحاً ليسير الناس باتجاه النور الكامن فيه.. هناك ضرورةٌ مطلقة لوجود وليد أبو الخير في هذا السياق القائم على التعقيد والاجحاف.. لأن من حق المجتمع أن يحيا أفراده أحرارً ومتساوين وقادرين على المضي في عيشتهم بكرامة وبنزاهة..

ما فعله من حاكم واعتقل وليد أبو الخير، بتهم “سخيفة” ولا أساس لها من المنطق أو الحقائق، هو محاولةٌ لإسكات كل من الضمير والعقل، واطفاءً لفكرة “النور” في المجتمع وإمعاناً في التغول على مبادئ العدل والحرية..
أطلقوا سراحه.. لأن للمجتمع مصلحةً فضلى في وجوده حراً، سيداً ومستقلاً وعاملاً من أجل خير الناس وكرامتهم.. ننتظرك وليد أبو الخير، ولعلنا نلتقي يوماً ما، على أرض أقل ظُلماً